|
ربما يكون مرض انفصام الشخصية (أو الشيزروفرانيا) من أكثر الأمراض النفسية شهرة حيث تتكسر شخصية المريض إلى شخصيتين تختلف كل منهما عن الأخر ى. و في رأيي أننا نعاني – نحن متحدثو العربية – من انفصام مثل هذا و لكن في ما نتحدثه. لا أقصد هنا التناقض في مضمون ما نقول (ورغم أن الانفصام في ذلك شديد) لكني اتحدث فقط عن الكيفية التي نعبر بها عن ما نريد قوله. أنا أتكلم هنا عن ما ألحظه في مصر و لكن لا أحسب أني كنت سأغير شيئا مما أقول لو كنت كويتيا أو سوريّا أو ليبيا أو من أي بلد أخرى يتحدث أهلها العربية، فالحال سواء.
نستخدم نحن العرب لسانين أو قل حتى ثلاثة عل مدار اليوم. فلغتنا العامية التي نستخدمها تختلف كل الاختلاف عن الفصحى التي نقرأها في الصحف و التي تختلف بدورها عن تلك التي نقرأها في كتب القصاصين و الشعراء. لا أزعم اننا الوحيدون الذين يتحدثون بلغة عامية تختلف عن اللغة الفصحى أو الرسمية، فالشعوب الغربية باختلاف السنتها تتحدث لغة عاميّة في حياتها اليومية تختلف عن اللسان الفصيح. و لكننا نجد عندهم ان لغة الحديث العامية "تختلف" عن اللغة الرسمية التي تستخدم في الجرائد و الدواوين. أما الحال عندنا فهو أننا نتكلم لغة أخرى غير التي نكتب. فمثلا تجد أن الشخص عندهم إذا تحدث إلى رئيسه في العمل أو شخص لا يعرفه يستخدم اللغة الرسمية و ليست العامية دون أن يجد أي مشكلة، بينما لا يستطيع الكثير منا أن يأتوا بلغة فصحى من غير ركاكة أو طول تفكير، دع عنك الأميين (و هو اسم صار في الغرب من دون مسمى) الذين قد لا يفهمون أصلا هذه اللغة. و لأبين لك أن عاميتنا تختلف عن فصحانا فأقول: تخيل مثلا أن والدك قد مر عليك بعد أن فرغت من قراءة هذا الموضوع و طلب منك أن تسرد له محتوى ما قرأت، فانك سوف سوف تستخدم لغة تختلف تماما عن التي قرأت بها سواء في الكلمات نفسها أو حتى في ترتيبها في الجملة. و لا أظن أن من قد تسول له نفسه أن يحيي الفصحى في حديثه، لا أظنه سيلقى غير السخرية (و قد رأيت من ذلك بنفسي قبل ذلك).
و اختارت حديثا بعض الصحف ان تهبط (و لا أجد بدا من استخدام هذه الكلمة) بلغتها و تستخدم لغة الشارع العامية كي تصل إلى كل فئات الشعب! فليس من دليل أبلغ أننا نتحدث لغة غير التي نقرأها. و حتى الفصحى التى صارت حبيسة الورق (اللّهم إلا في خطب الوعظ الدينية) لن تجد لها هذا المكان ربما بعد حين.
يمتد الانفصام اللغوي هذا أيضا إلى الدراسة. حيث تدرِّس معظم الكليات العملية موادها بالإنجليزية. لا أجد عيبا في أن يتعلم الشباب الإنجليزية جيدا لأنها لغة العلم و هي اللغة التي تُكتب و تنشر بها معظم الأبحاث. و لكني لا أجد أمة قد اشتد ساعدها و تقدمت علميا و هي تستخدم لسانا أجنبيا في تلقين العلوم إلى ابنائها. لا أجد ذلك لا في الصين و لا اليابان و لا ألمانيا و لا أي أمة أخرى بنت تراثا علميا خاصا بها. و لو رجعنا للتاريخ فلن نجد أن الحضارات الكبرى قد فعلت غير ذلك و حسبنا هنا أن نذكر الحضارة العربية الاسلامية التي بدأت أول ما بدأت بترجمة كل العلوم المتاحة كي تصبح جاهزة لابناء الأمة كي يتعلموا و يبتكروا حتى صارت العربية في هذا الزمان هي لغة العلم بلا منازع. حتى أوربا في استفاقتها (أو نهضتها كما يحبون هم أن يطلقوا عليها)، كان أول ما بدأوا به هو نقل العلوم من العربية إلى اللاتينية و قت أن كانت لغة أوربا الأثيرة. و لم نستفد من ذلك كله بل فتحنا الباب لجامعات بريطانية و أمريكية و ألمانية و فرنسية كي تدخل بثقافتها إلينا من دون أن نستفيد نحن من علمهم إلا بالنذر اليسير.
|
Tags
You must be logged in to add tags.
Writer Profile
Maged Hassan
This user has not written anything in his panorama profile yet.
|
Comments
You must be a TakingITGlobal member to post a comment. Sign up for free or login.
|
|