|
وأنا نادم على ما أفعل الآن وعلى ما سأفعل بعد قليل، ولن أتوقف عن الندم حتى أصل إلى ما أريد أن أرى إخوتي، وقد أكملوا تعليمهم ودخلوا الجامعة، وحصلوا على وظائف تليق بهم، وجلست أمي في البيت بكرامتها تنتظرهم ليعودوا وبعد ذلك أعود إليهم لأعيش معهم بعد أن عشت لأجلهم، ياله من حلم! لو تحقق لما طالبت الدنيا بعده بشيء آخر، ولنمت مطمئن البال قرير العين متناسياً هذه اللحظات التي مررت بها التي قد أذمها وقد أحمدها فيما بعد من يدري؟.
يهزني من كتفي رشيد ويقول: هيا بنا لنركب قبل أن يمتلئ المركب ليرسل المجموعة الأولى ولننته بسرعة من هذا الكابوس المؤلم نهضت معه مسلوب القوى منساقاً لإرادته مسلماً بأوامره ، لنركب المركب الصغير الذي يكاد أن يمتلئ، وقد امتلأ بالفعل أول ما ركب رشيد ولم أجد مكاناً فيه ، فقال لي السمسار: أنت ستركب مع الباقين في المجموعة التالية وانطلق المركب مبتعداً، سمعت صدى صراخ رشيد الذي كان معترضاً على إنزالي من القارب، وظل يصرخ قائلاً لي: سأنتظرك هناك على الساحل…سأنتظرك.
بدأ قلبي يخفق بشدة وبدأت أخاف بعد أن تركني رشيد هنا وحيداً عدت إلى شجرتي المتوارية عن الأنظار، واحتميت بها من البرد الغادر، انتظر … وانتظر …ويطول انتظاري … وتمر الساعات ثقالاً …طوالاً…أنوء بحملها ولا أستطيع تناسي الموقف، متى ستعود المركب؟ متى سألتقي بصديقي مجدداً؟ بدأت بالدعاء لرشيد بالسلامة وأن يصل بخير وأن لا يصيبه أذى؛ فالغربة بلا رفيق كالموت بلا كفن، وأبدأ أحلم، أحلم بالساحل المقابل، أحلم بالخير هناك، أحلم بتحقيق أحلامي، أحلم……………………
ما هذا النور الذي يداعب عيني، أفتحها، أنتفض إنه الفجر …كيف ذلك ؟ ماذا حدث؟ أنهض أنظر صوب البحر، يبدو أني غفوت ليلة البارحة، أنظر إلى الأشجار حولي لا أحد ، لا شيء، تركوني وذهبوا، بعيدا، بعيداً هناك في الجهة المقابلة.. تركوني لوحدي هنا، ورشيد رفيقي هناك بعيداً عني، لا أراه ولا يراني، وقد لا أراه ولا يراني مستقبلاً، تُرى أين أنت يا رشيد؟ ماذا تفعل؟ هل وصلت بسلام ؟ أتمنى ذلك … وأتمنى أن توفق هناك ولا تنجرف مع تيارهم.
وأعود لأحمل حقيبتي لأعود بها مطأطئاً برأسي صوب بيتي أمرُّ عبر الحارة، لا أدري نادماً أم سعيدًا، متشائماً أم متفائلاً، لا أنكر أني جمعت بين متناقضات في نفسي، فأرفع رأسي لأقول قد ولدت هنا وسأموت هنا لا توجد أرض أغلى من أرض الوطن، وإن هربنا نحن الشباب فمن سيعمرها نحن أصحابها فإن تركناها، فلمن نتركها، حمداً لله على سلامتي وإن لم أهاجر، تلك عناية من الله حين غفوت، وأتمنى أن يغفو كل من يلجأ إلى الهجرة، ليبقوا هنا ويكونوا رجالاً يواجهون الحياة لا يهربوا منها ……
وأعود مجدداً لأسرع …أسرع …وأزيد من سرعتي لأبلغ البيت الذي بدا بعيداً اليوم…أسرع …وأسرع …وأسرع، ولكن البيت لا يزال بعيداً، كلا إني لست مطارداً من قبل أحد؛ وإن بدا كذلك، أسرع … وسأجري مسرعاً كلما أردت الذهاب إلى البيت
|
Tags
You must be logged in to add tags.
Writer Profile
anas
This user has not written anything in his panorama profile yet.
|
Comments
You must be a TakingITGlobal member to post a comment. Sign up for free or login.
|
|