by heba alagha
Published on: May 18, 2009
Topic:
Type: Short Stories

إنه الصمتُ المطبقُ يا سيدي، ذلك الذي يجعلنا نختنق شوقاً، ونعلي في أنفسنا رغبةَ اللقاء، فلا شيء يمكن أن يسدَ ذلك الفراغ المقابل، إلا ما تجود به عليّ من كلماتك وموسيقاك العذبة، تلك التي تعني لي، حياتي بأكملها، ومدائن النور في ظلمة أيامنا.

سألتُه ذات مرة : لماذا تصاب الملائكة بوجعٍ في القلب ؟
قال لي : لأن الشياطين دامية ..
همهمتُ بسخط : ليتنا كلمّا نكبر ... قلمّا نشعر .. !!
نظر إليّ وقال : وما فائدة القلب إذن، وما فائدة الصبر والتصبر !!؟.

صدّقته يومها، وأيقنت أن كلامه صواباً، ولم أناقشه في حديثه ، فلابد من التسليم لحديث الزوج بصوابه وعلته .. فقد كانت هذه وصية أمي.

كان يعرف أنني بانتظاره هذا المساء، فقد اتفقنا أن نحتفل بعيد زواجنا الثالث، نغرد مثل عصفورين نزقين في مروج خضراء ، ونجدد العهد من الله سوياً، ألا يكون للشيطان مكانٌ بيننا ..
ومرت الساعات
العاشرة
الحادية عشرة

الواحدة بعد منتصف الليل
الثالثة فجراً

كان هاتفه مغلقاً، ولم يستفزني ويزيد من قلقي إلا صوت تلك السكرتيرة الآلية وهي تردد جملتها المسجلة : " جوال مرحباً، الهاتف الذي تحاول الاتصال به مغلق حالياً، يرجى المحاولة فيما بعد "

أين يا ترى حطت أقدامك ، ورسى قلبك هذه الليلة يا رامي ...
كانت دقات قلبي تنبض بخفقان عجيب ، ممزوجة بذلك الخوف الذي يصاحب الفراق، فيعطينا إشارة الإنذار الأولى، بأن أحداً ما سوف يرحل، أو شيئاً ما في طريقه للذهاب ..


إنهم هم .. أجل ..
كانوا يجاوروننا ، ونسمع في أغلب ليالينا أصوات أقدامهم المتحركة تحت نوافذنا فترعب أسماعنا، وتوقظ فينا شعوراً جارفاً بالسخط والغضب، ولا نفعل شيء سوى أن نُمني أنفسنا بليلة قادمة ربما تكون أهدأ صوتاً، وأعطر ياسميناً ..

كانوا يسرقون خبزنا، وماءنا، وذات مرة رأيتهم يأخذون من " حمزة " ابن الجيران لعبته الكبيرة، وأعطوه مقابلها كيساً من السم.
رامي لم يرق له هؤلاء الغرباء، ومضى يبحث عن طريقة يخرجهم بها من هنا، وكنتُ كلما أسأله ماذا ستفعل، يقول لي: لاتشغلي بالكِ ريما، ستكون الأمور على ما يرام ..

وطال انتظاري له هذه الليلة ..
واقتربت دقات الساعة من الرابعة فجراً ...

ولما ارتفع آذان الفجر، وصدحت التسابيح تملأ السماوات، وتناثرت كالندى على أرجاء الكون، كان " رامي" يكمل نشوة تسابيحه على أشلاء الغرباء.


« return.