by Reda Ibrahem Abdelgalil
Published on: Oct 21, 2008
Topic:
Type: Opinions

منذ أن خلق الله عز وجل الإنسان وأعطاه القدرة على السعي والانتشار، وهو يعمل بدأب للحصول على الغذاء الذي يتمكن به من العيش والإبقاء على ذاته، مما جعل السعي نحو إشباع رغبات الجسم وتلبية احتياجاته من الطعام أمرا فطريا وغريزيا، وهذا ما أكدته حادثة أبينا آدم عليه السلام وزوجه، إذ دفعتهما غريزة وشهوة الطعام إلى نسيان أمر الله والوقوع في المعصية ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) طه ، ولعل ارتباط الغذاء بأول حاثة في تاريخ البشرية يظهر بجلاء أهمية الغذاء في حياة الإنسان وفي التأثير على سلوكه.
ومنذ أن سكن الإنسان هذه الأرض وهو يسعى بشكل دائم إلى تأمين احتياجاته من الغذاء ، حتى أصبح توفير الغذاء شرطا لازما للاستقرار والاستيطان ، و بذلك أصبح للزراعة دور حاسم في تطور الحياة البشرية واستقرارها وفي تكوين المجتمعات العمرانيه وتطور المدنية .
ومع تطور الحياة البشرية وازدهار الحضارات ، إزداد اهتمام الإنسان بالزراعة وانتاج الأغذية المختلفة (الحيوانية والنباتية) ، حتى اصبحت علوم الزراعة والتغذية والاغذية أبرز علوم العصر الحديث.
ولقد سبق الإسلام كل الأمم بتشجيع المسلم على العمل والزراعة وطالب المسلمين بالجد والاجتهاد في طلب الرزق وتحري الحلال الطيب والاعتدال في النفقة وبعيدا عن الإسراف والتبذير.
حيث قال سبحانه تعالى (يا ايها اللذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )( البقره:172)، وقال (حرمت عليكم الميته والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقه والموقوذه والمترديه والنطيحه وما اكل السبع الا ما زكيتم وما زبح على النصب) (المائده:3) ، وقال (يا ايها اللذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) (المائده:90).
كما ربط الإسلام كل عمل يقوم به المسلم في حياته بغاية عظمى وهدف سام يعيش له ويحيى من أجله، ألاوهو تحقيق العبودية لله عز وجل، ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}( الأنعام ) . { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}( البينة (.
والتغذية شأنها شأن أي مفردة من مفردات حياة الإنسان المسلم غايتها التقوي على طاعة الله والاستعانة بهذا الغذاء في توفير الطاقة اللازمة للجسم والمحافظة على صحته بما يضمن بقاءه واستمراره على تأدية الواجبات والقيام بحقوق العبودية لله عز وجل واعمار الأرض وفق منهج الله.
هذا ويعد الغذاء من أكثر المواد عرضة للفساد، نظرا لما يحتويه من الرطوبة والعناصر الغذائية اللازمة لنمو الأحياء الدقيقة، وذلك في حال عدم تخزينه في ظروف جيدة .
وقد احتوت بعض آيات القرآن الكريم الى إشارات ضمنية إلى مشكلة فساد الغذاء واحتمال تغير صفاته من لون أو طعم . فقد ورد في سورة البقرة) فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) ، وفي قوله تعالى ( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) سوره محمد. فأسن الماء وتغير طعم اللبن كلها مؤشرات على فساد الغذاء.
وقد شدد القرآن الكريم على ضرورة إحسان اختيار الغذاء والتأكد على خلوه من الآفات عند التصدق به للفقراء والمحتاجين ، فقال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ( البقرة . كما اشار القرآن الكريم إلى أن الغذاء المتوفر يتفاوت في مدى جودته وسلامتة وصلاحيته ، كما وجه سبحانه تعالى إلى الاهتمام باختيار الغذاء المتناول، وذلك في قوله تعالى ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا)( الكهف(.
أما السنة النبوية ، فقد حفلت بالأدلة على ضرورة الحفاظ على سلامة الغذاء وجودته ومنع غشه والتغرير به ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر ذات يوم على رجل يبيع طعاما، فوضع صلى الله عليه وسلم كفه الشريف أسفل منه فوجده مبلولا فسأل البائع عن ذلك فقال: أصابته السماء (أي المطر) ، فقال صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا ) رواه مسلم وابن ماجة والدارمي، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وهو ما كان ظاهره يغري المشتري وباطنه مجهول) رواه الترمذي وابن ماجة واحمد والدارمي، كما نهى عن الملامسة والمنابذة الشراء دون التعرف على السلعة المطلوب شراؤها.
وفي سيرة الخلفاء الراشدين ، كان في قصة صاحبة اللبن التي أرادت أن تخلطه بالماء خير دليل على حرص المسلمين آنذاك على عدم الغش، إذ كافأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنة صاحبة اللبن على رفضها الغش بأن زوجها من أحد أبنائه ، وكان أن خرج من نسلهما خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه.
إن الإسلام وبما يمثله من رسالة عالمية شمولية جاءت لتنيظم حياة البشر قد احتوى على جملة من الأسس والمباديء العامة التي تنظم تعامل الإنسان مع الغذاء من حيث ترشيد النظرة إليه والدعوة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف في تناوله والاعتدال فيه، إلى جانب الحث على ضمان جودته وسلامته وعدم الغش به.
ولم يقتصر دور الإسلام على ذلك، بل تعداه إلى تأسيس نظام صحي وغذائي يضمن تحقيق سلامة الإنسان وحفظ صحته. كما وجه إلى ضرورة تأمين احتياجات الإنسان منه، وهو ما عرف فيما بعد بالأمن الغذائي. وقد تضمن صوم رمضان وما يرافقه من آداب وأحكام حفظ صحة الإنسان وإبعاده عنه السمنة وما تبعها من أمراض تهدد حياته وتعرضها للخطر.
وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية بذكر العديد من الأغذية الطيبة النافعة ، بالاضافة إلى ذكر الأطعمة المحرمة الضارة التي أثبت العلم الحديث خطورتها وضررها على صحة الإنسان وسلامته.
وقد حظيت مسألة الرزق بتكفل الله تعالى بها، فالاستقرار والاطمئنان من أعظم نعم الله تعالى لا تتيسر إلا بالأمن الغذائي، وعدم تبذيره والإسراف فيه ، لأن الانحلال الخلقي يسبق الإنهيار الإقتصادي ، حيث قال تعالى ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) .
وللمسلم نظرة خاصة للغذاء ، فهو لا ينظر إليه كما ينظر إليه غيره من ناحية شهوانية أو دنيوية ، وإنما ينظر إليه على أساس تعبدي يعينه على عبادة ربه تعالى ، كما قال صلى الله عليه عليه وسلم ( نحن قوم لا نكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع )، فالمسلم ليس بالنهم ولا بالشهواني فالغذاء عامل مساعد على القيام بالواجبات واسداء الحقوق الى أهلها( وإن لبدنك عليك حقا).


« return.