by Radwanalmajali
Published on: Apr 27, 2008
Topic:
Type: Short Stories


كتبت من الخواطر في غياب الصديق قائلاً:
تراودني تلك اللحظات التي كنتُ بها مع صديقي أتذكر فيها الساعات الطويلة التي قضيتها معه، ويا لها من لحظات كأن الأمس بها اليوم، تمنيتُ بأن اليوم لم يكن، وان الساعة تراوحُ إلى مدىً ليس بعيد. قلتُ هذا بنفسي وان لم يكن بي سوى الخنوع.
سعيتُ كلما أتذكره، بأن يكون لي معه قصة، وأحاول بأن لا تلم مني لائمة الدهر على الفقيد، أو تراها لائمة الحزين على السعيد، يا ويح تلك الخطى إن لم تكن تُنازحُ إلى الأكيد.
فلعل ذكراه سببا يقود إلى الأمل، بأن غداً جديدًا لابد أن يكون به الأمان، فحياتنا ليست رهناً لنا، بل فيها مزيداً من الأسى، سد الرحى، بل هيهات أن تعود إلى تلك الوجود.
يا ليت ذكراهُ تكون عبرةً لنا، نحو الخطى، أو تراها ألماً يزول مع النفوس، مع صباح كل يوم جديد، فتلك العبر ما كانت أن تؤدي فينا إلى الهروب، ولتختفي معها الصور. لكن !
لابد من إعادة شريط الحياة، والتدقيق في كل الخطأ، أأنا المخطيء البائس ؟ أم هو ؟ أم تراها الأيام والسنين ؟
نعم. أنا وهو والأيام والسنين، لابد من إعادة العبر، بالوقوف والتأمل، لا بالهروب، فليت الهروب ينفع بعودة الصديق، يكفي انه لا بدنيا غير دنيا مثلنا، ليس فيها مثل الذي به عندنا، أو عندنا مثل الذي فيها عدلاً لنا.
انهُ الصديق الذي طالما احتجته وجدته، لا ذلك المسكين الذي يطالب بما ليس فيه شيمهْ، صديقي وان عاتبته كان بي مدافعاً، من الأمانة إلى الوفاء صادقا. قليلا ما وجدت مثله، فليت الأيام تعود بصوتهِ.
لابد من الوقوف والتأمل، لا بالهروب، فليت الهروب يمنع من غياب الصديق، أو حدوث القدر، لكن! بيدنا الأمل، بترك الألم، ومنع الهلاك، فلنقف معاً يدًا واحده، لمستقبلٍ واعدٍ بعيدا عن البكاء، فلندع القول جانبناً ولننطلق، لنصحح الأخطاء، ونضع القيود حتى لا يتكرر الأسى.
ففي ساعات المحن لم يتوانى عن إرسال تلك النظرات التي تعلن لي انه موجود، وان القلوب لا يمكن أن تخطيء الهدف، من لحظات بات الإنسان فيها حزينا لا يحتاج إلا للمسة أمل، لُيزل منه العلل، ولتنذر بأنه ما فعل إلا بطبعه الأصل.
بدأت مني تخرج عبارة ما كانت لتُنشد، أوكأنني لم أكن لأقولها إلا لهُ، يا ليت كانت تلك القصائد التي تغنيت فيها المجد، جديد ما كانت، فقد غابت الكلمات عن محياي وتبعثرت الحروف تبحث عنا إلى ما فينا من ألق، فغاب مجدك يا صديق ِ وغابت معه تلك الخواطر الصادقة، حزينٌ أنا إلى فراقها وبفراقك أكثر حزناً
فلعل ذكراهً تزفُ إلى الوجود معنىً جديد، بأن اليأس لافينا نحن البشر، بل هي اقل ما يقال في ذلك البائس المسكين الذي ينتظر بأن يتلقفه الموج من عنان الريح إلى بر الأمان، ليصحا من حلم ٍ طويل ٍ متعبٍ وقد غرق فيه العرق، وغاب عنه النوم بالأرق، مصدوماً من حاله وحالنا إليه قريب، أأ صبح غريبا ؟ أم نحن الغرباء إليه ؟ لعلنا جميعاً كنا على نفس الخُطى، بعيداً إلى المجهول ما نمشي في ظلمة الطريق ، فلعل يداً تمسك بيدي أو امسك بيد غيري، أو كل منا يمسك بيد الآخر ، وربما تحصل المفاضلة فتضيع الأيادي ويمسك من حب بيد عزيزٍ لهُ .مسكينٌ من ليس له عزيز، أو من ليس كان مفضلاً عند غيره، تاه فلم ينفعهُ سوى الصراخ، لعل الغمة تزاح، وتنكشف عن محياها كل النواح، لأنها أضحت أفعى تلدغ كل جراح، وانتهت إليها الظلمة ُمن كل السماح، حتى تبارح نهائياً عن الرواح.
بات التشاؤم صفت البائس من ليس له صديق، غاب الصديق وقت المحن، بؤس الزمان فيه فقط من لا ينازله مودة ً عندي، من ليس لهُ صديق، فقد غاب الصديق.



« return.